ما كان بإمكان حكومة اختارها الشعب التونسي بإرادة حرة إلا أن تقف مع الشعب السوري في نضاله للتحرر من نظام القهر والظلم والفساد المهيمن على سوريا منذ عقود.
لكم أستغرب من الذين ينتقدون الحكومة التونسية لطردها سفير بشار الأسد في تونس. لا تملك تونس من القدرات العسكرية ما يمكنها من النفير لنصرة أهل سوريا، وإلا لكان واجباً عليها أن تفعل، فلا أقل من تعبير رمزي عن السخط على هذا النظام الذي يقتل شعباً عربياً مسلماً يقول "ربي الله"، يستنجد منذ شهور بمن حوله فلا يسمع إلا صدى آناته وصرخاته.
تراودني شكوك بأن الذين سخطوا في تونس على الحكومة لموقفها النبيل ذاك إنما فعلوا ذلك لأسباب لا تتعلق بسوريا بقدر ما تتعلق بحسد وحقد على منافسين لهم في السياسة. إنها في ظني الرغبة الجامحة لديهم للاصطياد في كل ماء عكر، لأن الغيظ يأكل قلوبهم لما نجمت عنه انتخابات تونس الحرة من فوز للإسلاميين وتقهقر لأصحاب الرايات المنسوجة في بلاد الإمبرياليتين الرأسمالية والشيوعية، وكلا الإمبرياليتين عدو لدود يتربص بعروبتنا وإسلامنا الدوائر. بعض هؤلاء الساخطين على تضامن حكومة تونس مع شعب سوريا كان يمني نفسه بالفوز بثقة الشعب، فخاب وخسر، والبعض منهم إنما هو من فلول النظام الفاسد البائد الذي ثار عليه الشعب التونسي فخلعه.
وليت حال سوريا كحال تونس، ينخلع فيها النظام بيسر وسهولة ولا يراق في سبيل ذلك الكثير من الدماء. إلا أن سوريا لها وضع مختلف تماماً، ونظام الحكم فيها فئوي طائفي أنفق ثروات الأمة السورية خلال العقود الأربعة الماضية على تحصين نفسه بآلة أمنية وعسكرية باطشة لا ترقب في مؤمن إلا ولا ذمة. كنا نتمنى بالطبع ألا تطلق رصاصة واحدة في ثورة الشعب السوري، بل كنا نتمنى في البداية أن ينصاع النظام لمطالب الشعب التي كانت محدودة ومتواضعة في الأيام الأولى، إلا أن النظام أشعلها حرباً على الناس وعلى الأخلاق وعلى المروءة وعلى كل مقدس وعزيز.
تمنى الشعب السوري على إخوانه العرب والمسلمين من حوله أن يهبوا لنصرته فوجدهم مشغولين كل في همه، وتمنى على المجتمع الدولي أن يهب لوضع حد لسفك الدماء وانتهاك الحرمات إلا أنه وجد المجتمع الدولي يفاوض ويقايض، ووجد الأمم المتحدة أعجز من أن يرجى منها خير.
والله الذي لا إله إلا هو، لا نعذر بقعودنا عن نصرة المظلومين، ولا أقل من أن يرى الشعب السوري بعض تضامن وتعاطف من الأقطار الشقيقة التي سبقته بالثورة؟
لم تخيب أملنا حكومة تونس، بل كانت على مستوى المسؤولية، ونأمل ألا تخيب آمالنا شعوب العرب من المحيط إلى الخليج في الإلحاح على حكوماتها، خاصة المنتخبة ديمقراطياً من قبلها، بأن تعمل ما في وسعها لنجدة المظلومين في الشام.
No comments:
Post a Comment