Wednesday, 11 April 2012

ما بعد إعلان الدوحة بين حماس وعباس



توسط القطريون مشكورين بين فتح وحماس بهدف تسريع إجراءات المصالحة. وقد تمخضت هذه الوساطة عن إعلان الدوحة، الذي وافق بموجبه الأخ خالد مشعل على أن يشكل محمود عباس حكومة انتقالية تمهد للانتخابات. إلا أن هذا الاتفاق قوبل من أوساط حركة حماس في غزة والضفة وفي المهجر بامتعاض واستياء شديدين، وعبر عدد غير قليل من رموز الحركة ونشطائها عن رفضهم له، مما ولد أزمة هي الأولى من نوعها في تاريخ الحركة منذ نشأتها، كان من الممكن أن تكون لها تداعيات خطيرة لولا مسارعة القادة إلى لملمة الموضوع وإيقاف الجدل حوله في وسائل الإعلام وفي المنتديات العامة، رغم استمراره في داخل أوساط الحركة في الداخل والخارج. 

لعل أكثر ما أزعج أوساط حماس في هذا الاتفاق أنه جاء مفاجئاً لهم، ولم يسبقه، كما جرت العادة، مشاورات بين الإخوة في المواقع القيادية. بل اجتهد فيه الأخ خالد مشعل ما ظن أنه من صلاحياته كرئيس للمكتب السياسي في ظرف قدر فيه أن مثل هذا الإجراء يخدم الصالح العام. كما أزعجهم أنه يأتي في وقت ما كان ينبغي من وجهة نظرهم أن تبادر حماس إلى إنتشال محمود عباس في زمن الربيع العربي من مأزقه الناجم عن فقدانه بعض أهم حلفائه إثر تساقط رموز عهود الظلم والاستبداد والعمالة في تونس ومصر. يرى المعارضون لإعلان الدوحة داخل حماس بأن الاتفاق بين مشعل وعباس يكرس عباس زعيماً للفلسطينيين وهو لا يستحق ذلك، ويجمع له كافة الصلاحيات والرئاسات محولاً إياه إلى حاكم مطلق، بينما لا تحصل حماس على أي ضمانة بتخفيف الحصار عنها سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة. 

إلا أنه حفاظاً على وحدة الحركة، وللحيلولة دون أن يتحول الخلاف حول هذا الموضوع إلى شقاق وانشقاق، فقد آثر الإخوة في حماس الخروج على الرأي العام بتوافق على إقرار ما اجتهده الأخ خالد مشعل، آملين أن يتمكنوا من تحسين مواصفات الاتفاق بينه وبين محمود عباس. ولعل هذا ما جعل عباس ومن حوله من بطانة يوجهون أصابع الاتهام إلى حماس بأنها استنكفت وتراجعت عما تعهد به رئيسها. 

في المقابل، هناك شعور داخل حماس بأن عباس غير جاد، وبأنه إنما يستغل ظروف حماس لتحسين ظروفه  الدولية والإقليمية، وبشكل خاص لإقناع الإسرائيليين وحلفائهم بأنه يحقق نجاحاً في احتواء حماس لصالح عملية السلام. 

كما يرى عدد غير قليل من منتسبي حماس في غزة والضفة الغربية وفي الخارج بأنه يستحيل إحسان الظن بالسلطة وبرئيسها قبل انفراج الأوضاع في الضفة الغربية وتخفيف الحصار عن قطاع غزة. ولدى قادة حماس في غزة قناعة راسخة بأن الحصار على غزة إنما يشدده المصريون بطلب من عباس، بحجة أن جماعة غزة متطرفون وبأنه لابد من الضغط عليهم ليقبلوا بما قبل به خالد مشعل. ولعل مما عزز هذه القناعة تسرب معلومات بأن عباس في لقاءاته مع بعض المسؤولين العرب والأجانب بات يتحدث عن تيارين في حماس، تيار معتدل بقيادة مشعل ينبغي أن يعزز ويساعد، وتيار متطرف بقيادة جماعة غزة ينبغي أن يشدد عليه الحصار حتى يستجيب ويعتدل.  

ومع ذلك، فإن قادة حماس في الداخل والخارج، وحرصاً منهم على ألا يكونوا هم العائق أمام مصالحة فلسطينية تعود بالنفع على الفلسطينيين عامة وتدفع بقضيتهم إلى الأمام، لم يفتآوا يعلنون التزامهم بالتوجه نحو المصالحة، إلا أنهم يرون أنها يستحيل أن تتحقق المصالحة على أرض الواقع ما لم تقدم السلطة في رام الله على اتخاذ خطوت محددة لإبداء حسن النية تجاه حماس. ومما تسمعه من قادة حماس في اللقاءات الخاصة مجموعة من المطالب، لا تغادر بمجملها الخطوات التالية:

١) إطلاق سراح معتقلي حماس عند سلطة رام الله، وهم الذين لم يعتقلوا إلا لانتمائهم الحركي، فهم معتقلون سياسيون. 

٢) وقف الاستدعاءات، وهي إجراءات معيقة ومزعجة، تنال من قدرة المستدعى للتحقيق على إنجاز أي عمل سواء كان طالب دراسة أو موظفاً أو تاجراً أو  يشغل غير ذلك من المهن. والاستدعاء يقصد منه التعطيل، لأن المستدعى يطلب منه الانتظار في مركز الاستدعاء طيلة النهار، لا يدري ما الذي سيحصل معه، ثم في نهاية اليوم يصرف، ويقال له لا حاجة لنا بك اليوم، وقد يتكرر استدعاؤه مرات ومرات للضغط عليه وإلجائه إلى القيام بعمل ما أو التوقف عن نشاط ما. وقد يتكبد بسبب الاستدعاء في يومه ذاك خسارة كبيرة، كأن يفوته اختبار، أو انعقاد جلسة في محكمة، أو موعد في عيادة، أو غير ذلك من الالتزامات. 

٣) رفع اليد عن مؤسسات المجتمع المدني التي يقوم عليها أشخاص منتسبون لحماس أو متعاطفون معها. فقد سلكت سلطة رام الله استراتيجية تجفيف الينابيع التي كان ينهجها نظام بن علي في تونس من خلال تعطيل عمل عدد كبير من مؤسسات الخدمة الاجتماعية والثقافية، وكذا الجمعيات النسوية، والمراكز الدعوية. 

٤) التوقف عن فصل الناس من العمل في المؤسسات الرسمية بسبب انتسابهم الحركي أو انتمائهم الفكري. وقد ذهب ضحية هذه السياسة المئات من المتعاطفين مع حماس أو المنتسبين إليها. 

٥) التراجع والتوقف تماماً عن سياسة المسح الأمني، التي تعني مطالبة كل صاحب مصلحة بأن يحصل على شهادة حسن سلوك من الأجهزة الأمنية وإلا فإن مصلحته تعطل، مثل السفر أو التوظيف أو الدراسة. والأجهزة الأمنية تمتنع في العادة عن منح مثل هذه الشهادة لكل من يشك في دعمه أو تعاطفه أو انتسابه لحركة حماس. 

٦) التوقف عن مطالبة السلطة في مصر بتضييق الخناق على قطاع غزة، فأزمة الوقود الأخيرة كان لعباس وسلطة رام الله دور أساسي فيها بهدف الضغط على حكومة حماس لإبداء مرونة وإعطاء تنازلات. 

٧) التوقف عن التنسيق الأمني مع الإسرائيليين، إذ كيف يعقل أن تكون مصالحة وتفاهم، بينما أجهزة السلطة الأمنية في رام الله تمد الإسرائيليين بالمعلومات أولاً بأول وتساعدهم في ملاحقة النشطاء واعتقالهم. بل إن التنسيق الأمني يصل في كثير من الأوقات إلى تبادل الأدوار مع الإسرائيليين في التضيق على نشطاء وأنصار حماس في الضفة الغربية. 

No comments:

Post a Comment